حصاد الحريات 2022.. المغرب ينهض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومطالب بمزيد من الإصلاحات
حصاد الحريات 2022.. المغرب ينهض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومطالب بمزيد من الإصلاحات
المغرب - سامي جولال
شهدت المملكة المغربية خلال 2022 نهضة استثنائية في مجال النهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، من خلال مجموعة من الإجراءات، بينها تعميم التغطية الصحية على جميع المغاربة، وبدء العمل بالسجل الاجتماعي الموحد، الذي يعد آلية مهمة في توجيه الدعم الاجتماعي للفئات الهشة، وفتح الحوار الاجتماعي بين الحكومة والمنظمات النقابية، الذي نتجت عنه زيادة في الأجور.
واتخذ المغرب خلال عام 2022 جملة من القرارات والإجراءات الرامية إلى تطوير المنظومة المغربية لحقوق الإنسان في مجموعة من المجالات، ولفائدة عدد من الفئات، من بينها الأشخاص الموضوعون تحت الحراسة النظرية، والأحداث المحتفظ بهم، والمغاربة المقيمون بالخارج، والتوجه نحو تعديل مدونة الأسرة، الأمر الذي كانت تطالب به الحركة الحقوقية المغربية، إلى جانب الانخراط القوي للمملكة المغربية في المنظومة الأممية لحقوق الإنسان.
وشهد عام 2022، بحسب مصادر تحدثت إليها "جسور بوست"، "غلاءً في المعيشة، في حين لم تتخذ الحكومة المغربية التدابير اللازمة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين"، و"تجاوزات في فض التجمعات والاحتجاجات السلمية"، اعتبرها رأي حقوقي حالات منعزلة لا تتحمل الدولة والحكومة مسؤوليتها، وتبقى رهينة بالأشخاص فقط، إلى جانب "فتور في سياسة النهوض بحقوق الطفل والمرأة"، و"استمرار الهدر المدرسي"، رغم المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة في هذين المجالين.
إضافة إلى مطالب بتحسين أوضاع سكان المناطق الجبلية، الذين "يعانون من التهميش، ومن غياب خدمات أساسية"، وإخراج مجموعة من القوانين المهمة، وتفعيل مؤسسات دستورية، وإلغاء عقوبة الإعدام بشكل كلي، والتصديق على بروتوكولات دولية، ووضع إطار قانوني واضح لحرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد حالات اعتقال مبررة لأشخاص، دار حولها نقاش بين مؤيد ومعارض.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
شهدت المملكة المغربية خلال 2022 التركيز بشكل كبير على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بحسب عميد كلية الحقوق بجامعة عبدالمالك السعدي بطنجة- تطوان (شمال المغرب)، وأستاذ القانون العام في الجامعة نفسها، محمد العمراني بوخبزة، الذي وصف 2022 بأنه استثنائي على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنه من بين الأمور المهمة، التي اشتغل عليها المغرب، هو ما يسمى بـ"الدولة الاجتماعية"، والأمور المرتبطة بالحق في الصحة، وأنه سيحدث طفرة نوعية في هذا المجال، من خلال التغطية الصحية، التي أصبحت إجبارية لجميع المواطنين المغاربة.
تعميم التغطية الصحية
وتنفيذاً لتعليمات ملك المغرب، محمد السادس، ينطلق في المملكة بداية من الشهر الجاري، تعميم التغطية الصحية، وهو مشروع ملكي يهدف إلى تمكين المغاربة بكل فئاتهم، من نظام موحد للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، ليستفيدوا من خدمة صحية لائقة تغطي العلاج، والأدوية، والاستشفاء، بنفس شروط السداد، التي يستفيد منها موظفو القطاعين العام والخاص في جميع المؤسسات الصحية العمومية والخاصة، بينما ستتحمل الدولة مصاريف الاشتراك في التغطية الصحية الإجبارية بالنسبة للمغاربة غير القادرين على دفع واجبات الاشتراك.
ويأتي تعميم التغطية الصحية في إطار التغطية الاجتماعية، بميزانية قدرها حوالي 51 مليار درهم، مخصصة لتعميم التأمين الإجباري عن المرض، والإعانات الاجتماعية، وتوسيع دائرة المستفيدين من المعاش والتقاعد، والتعويض عن فقدان الشغل.
كما أعطى ملك المغرب، محمد السادس، في 5 مايو 2022، انطلاقة أشغال بناء أكبر مشروع صحي في القارة الإفريقية، والمتمثل في المستشفى الجديد "ابن سينا" في العاصمة المغربية الرباط، بقدرة استيعابية تفوق ألف سرير، وبتكلفة تفوق 6 مليارات درهم مغربي.
العمل بـ"السجل الاجتماعي الموحد"
وبدأ العمل في عام 2022 بما يسمى بـ"السجل الاجتماعي الموحد"، الذي يعد نظاماً معلوماتيا وطنيا لتسجيل واستهداف الأسر الراغبة في الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، وهو الأمر الذي تم انتظاره منذ مدة، وفق محمد العمراني بوخبزة.
اجتماع رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، وممثلي النقابات في 9 فبراير 2022 (الموقع الإلكتروني لرئيس الحكومة)
وأوضح بوخبزة، أن هذا السجل هو الآلية المهمة في توجيه الدعم الاجتماعي للفئات الهشة، وسيخلق تحولاً على مستوى هذه الفئات داخل المجتمع، ويحدد الفئات التي ستحصل على دعم الدولة، في مرحلة تشهد تدهوراً كبيراً على مستوى القدرة الشرائية، بفعل تأثير "كوفيد-19"، والجفاف، وحرب أوكرانيا، ما أثر على مجموعة من الفئات الاجتماعية، والدولة ستخصص دعماً مباشراً لتلك الفئات.
مأسسة الحوار الاجتماعي
تم خلال عام 2022 فتح الحوار الاجتماعي بين الحكومة المغربية والمنظمات النقابية، وهو ما كانت تطالب به المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وغيرها من الجمعيات، بحسب الناشط الحقوقي المغربي، وعضو اللجنة التنفيذية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، أبوبكر لاركَو، الذي بيَّن، لـ"جسور بوست"، أن من بين نتائج هذا الحوار الاجتماعي الزيادة في أجور بعض الفئات، من بينها أساتذة الجامعات، والأطباء.
الناشط الحقوقي المغربي، وعضو اللجنة التنفيذية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، أبو بكر لاركَو
واعتبر لاركو، أن ذلك مفيد، لأن الأطباء المغاربة أصبحوا يهاجرون، لأن الأجور في الدول الغربية مرتفعة جداً، مبرزاً في المقابل أن الزيادة لم تشمل جميع الفئات، في ظرفية تشهد غلاءً في المعيشة، ناتجاً عن ارتفاع فاتورة البترول، والحرب في أوكرانيا، والجفاف الذي ضرب المغرب، وغيرها من الأسباب الأخرى، ما جعل القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين في وضعية صعبة.
وشدد على أن ما يهم في الحوار الاجتماعي بين الحكومة المغربية والمنظمات النقابية في عام 2022 هو أنه سيكون دورياً، وإن كانت نتائجه قليلة.
تقليص الفوارق بين الأقاليم
وفي جانب متعلق بالحقوق الاقتصادية، صدر القانون الإطار المتعلق بميثاق الاستثمار، الذي يهدف إلى النهوض بالتنمية، وتقليص الفوارق بين أقاليم المملكة المغربية في ما يخص جذب الاستثمارات، كما يتضمن آلية دعم ومواكبة فعالة لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج، بغية الرفع من حجم وحصة استثمارات الجالية المغربية، وقدرتها على إنتاج القيمة المضافة، وخلق فرص العمل، بحسب الخبير في مجال حقوق الإنسان، ومدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، والرئيس السابق للمركز المغربي لحقوق الإنسان، خالد الشرقاوي السموني.
الخبير في مجال حقوق الإنسان خالد الشرقاوي السموني
وأوضح السموني، أنه تم أيضاً فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، الذي تم إحداثه سنة 2020، لكن تفعيله بدأ في سنة 2022، من خلال تعيين المدير العام لهذا الصندوق المهم، الذي يضمن حقوق المستثمرين وبالتالي المواطنين أيضاً، ويهدف إلى إنعاش الاقتصاد الوطني، الذي تضرر بسبب جائحة "كوفيد-19".
العفو الملكي
شهد عام 2022 تعزيز المنظومة الجنائية في المغرب، من خلال ضمان تغذية الأشخاص الموضوعين رهن الاعتقال الاحتياطي الموجودين تحت الحراسة النظرية، وكذلك بالنسبة للأحداث المحتفظ بهم، بحسب ما أوضحه رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، الحسن الإدريسي، لـ"جسور بوست".
وتم إدخال تعديل على المادتين 66 و460 من قانون المسطرة الجنائية، والتنصيص لأول مرة على ضمان تغذية الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية، والأحداث المحتفظ بهم، على نفقة الدولة، وصادقت الحكومة على مشروع مرسوم يحدد قواعد تغذية هؤلاء الأشخاص، وكيفيات تقديم الوجبات الغذائية لهم.
وشهد المغرب في عام 2022 العفو الملكي عن مجموعة من السجناء، من بينهم عدد من الأشخاص المحكومين في قضايا مرتبطة بالإرهاب، بعدما أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة، ونبذهم للتطرف، بحسب عميد كلية الحقوق بجامعة عبدالمالك السعدي بطنجة-تطوان (شمال المغرب)، وأستاذ القانون العام في الجامعة نفسها، محمد العمراني بوخبزة.
منع الإفلات من العقاب
وبدأ اللجوء في عام 2022 إلى السلاح البديل في بعض الحالات، التي يهدد فيها شخص السكان، أو يهدد الأمن، وبدل إطلاق الرصاص، يتم استخدام سلاح إلكتروني يشل الشخص ويسقطه أرضاً دون جرحه، وفق الناشط الحقوقي المغربي، وعضو اللجنة التنفيذية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، أبوبكر لاركَو، الذي اعتبر ذلك تطوراً إيجابياً ومهمّاً جدّاً.
وتحدث لاركو، لـ"جسور بوست"، عن مسألة أخرى اعتبرها كذلك مهمة جدّاً، والمتمثلة في عدم الإفلات من العقاب، إذ يتم، بحسبه، القبض على أصحاب كافة المناصب سواء كان قاضياً، أو مستشارا، أو رئيس جماعة، وتوقيف عامل (العامل من رجال السلطة، ويمثل السلطة التنفيذية على المستوى المحلي والإقليمي، ويجسد سلطة الدولة داخل الوحدات الترابية الخاضعة لنفوذه)، ودركي، وشرطي، وهو ما يعني أن هناك زخماً في المجال الخاص بمحاربة الفساد، إلى جانب فتح تحقيقات في حالة وفاة داخل مخفر للشرطة، أو في الطريق من المحكمة إلى السجن، وهو ما يعتبر، بحسب الحسن الإدريسي، إيجابيّاً، لأن هذا التتبع الدقيق لم يكن موجوداً من قبل.
تعديل مدونة الأسرة
ودعا ملك المغرب، محمد السادس، في خطابه الموجه للشعب بمناسبة عيد العرش في يوليو 2022، إلى تعديل مدونة الأسرة، تفاعلاً مع مطالب الهيئات الحقوقية النسائية، وهو الخطاب الذي وصفه الخبير في مجال حقوق الإنسان، خالد السموني، بالتاريخي والمهم جدّاً، لكنه أوضح في المقابل أن الحكومة المغربية لم تتخذ بعد الإجراءات، ولم تتقدم بعد بمشروع تعديل مدونة الأسرة، لإزالة الحيف عن المرأة، خاصة في ما يتعلق بزواج القاصرات، الذي قال إنهم يناضلون لكيلا يبقى الزواج أقل من 18 سنة، والنفقة والمتعة بالنسبة للمطلقة، مبيناً أن هناك تلكؤاً وتأخراً في تفعيل مقتضيات الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها المغرب في ما يتعلق بحقوق الطفل والمرأة، ومطالباً بتسريع الإصلاحات اللازمة لمدونة الأسرة، لتحقيق التوازن في ما يخص حقوق الرجل والمرأة، لأن المدونة تهم الرجل، والمرأة، والأسرة.
الملك محمد السادس يعطي في 5 مايو 2022 انطلاقة إنجاز أكبر مشروع صحي في إفريقيا (و.م.ع)
وقف التلاعبات في "التعدد الزوجي"
وجه المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب، في أكتوبر 2022، مراسلة إلى رؤساء المحاكم وقضاء الأسرة، لوقف تلاعبات مجموعة من الأزواج الرجال المغاربة بالموافقة، التي تمنحها لهم الزوجة بغرض التعدد الزوجي، بحكم أن التعدد الزوجي في المغرب مشروط بموافقة الزوجة، إذ بدل أن يستعملوا تلك الموافقة في الزواج بزوجة جديدة واحدة، يتزوجون بأكثر، لأن الموافقة التي تمنحها الزوجة لزوجها فضفاضة، ولا تتضمن اسماً محدداً للزوجة الجديدة، ما جعل تلك الوثيقة بمثابة "شيك على بياض" في يد مجموعة من الرجال، وهو ما انتبهت إليه السلطات المغربية وتحركت لإيقافه.
الاهتمام بالجالية المغربية في الخارج
وشهد عام 2022 في المغرب اهتماماً بحقوق أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج، الذين يقدر عددهم بحوالي 5 ملايين، إضافة إلى مئات الآلاف من اليهود المغاربة بالخارج، إذ دعا الملك محمد السادس، في خطاب موجه إلى الشعب في أغسطس بمناسبة الذكرى الـ69 لثورة الملك والشعب، إلى إحداث آلية خاصة لمواكبة الكفاءات والمواهب المغربية في الخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها، ما سيمكن، من التعرف عليها، والتواصل معها باستمرار، وتعريفها بمؤهلات وطنها، بما في ذلك دينامية التنمية والاستثمار، بعدما اعتبر جلالته أن المجهودات الكبيرة، التي تقوم بها الدولة لضمان حسن استقبال مغاربة العالم، غير كافية، لأن العديد منهم ما زالوا يواجهون العديد من العراقيل والصعوبات، لقضاء أغراضهم الإدارية، أو إطلاق مشاريعهم، وهو ما يتعين معالجته.
الملك محمد السادس وهو يلقي خطاباً ملكيّاً في 8 أكتوبر 2021 (أ ف ب)
وفي المقابل، أوضح الخبير الحقوقي، خالد السموني، أنه أمام الخطاب الملكي المذكور، يُنتظر من الحكومة أن تتخذ إجراءات النهوض بحقوق الجالية المغربية بالخارج، لأنه إلى حدود الساعة هناك تأخر على مستوى الحكومة في تنزيل حقوق الجالية، التي ينص عليها الدستور، وأنه يفترض أن تأتي الحكومة بالقانون الجديد المتعلق بمجلس الجالية المغربية بالخارج، وتقوم بإجراءات سريعة في ما يتعلق باستثمار مغاربة العالم، من خلال خلق إطار تشريعي، ومناخ عام سليم.
حقوق الإنسان
شهد عام 2022 انخراطاً قوياً للمملكة المغربية في المنظومة الأممية المتعلقة بمجال حقوق الإنسان، إذ واصلت انخراطها في الآليات الأممية، من خلال إيداع وثائق الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بحسب ما أوضحه رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، الحسن الإدريسي، لـ"جسور بوست"، مردفاً أن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تعتز بهذا الانضمام، وتعتبره خطوة أساسية في مجال المنظومة الحقوقية بالنسبة للمغرب.
وعلى مستوى التفاعل مع الهيئات والمعاهدات، عرف عام 2022 انتظاماً نسبياً للمملكة المغربية في تقديم التقارير الدولية المتعلقة بتنفيذ الاتفاقيات الدولية، من خلال تقديم 5 تقارير دولية في مجال القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتقديم التقرير الأولي المتعلق بالاتفاقية الدولية ضد الاختفاء القسري، وفق رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، الحسن الإدريسي، الذي قال إن المملكة المغربية أوفت بأغلب التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان التعاقدية، الأمر الذي يلاحظ من خلال التقرير الدوري الشامل، الذي تم تقديمه من طرف المملكة، خلال شهر نوفمبر من هذه السنة في جنيف، خلال جلسة المجلس الدولي لحقوق الإنسان.
وانفتحت المملكة المغربية في عام 2022 على آلية الإجراءات الخاصة باستقبال خبراء، سواء خبراء اللجنة المعنية بالعمال المهاجرين، الذين زاروا المغرب في مايو 2022، وكذا المقرر الخاص بمحاربة الفقر، الذي سيزور المغرب خلال الأسابيع المقبلة، إلى جانب فتح حوار تفاعلي مع اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، بحسب "الإدريسي"، الذي سجل أيضاً في تصريحاته لـ"جسور بوست" حضور المملكة المغربية القوي في منظومة السلم والأمن الدوليين، وفي "كُوبْ 27" المتعلق بالتغيرات المناخية، وفي تنفيذ برنامج أهداف التنمية المستدامة، الذي أحدثت مضامينه الأمم المتحدة في أفق 2030، والمتمثل في 17 هدفاً.
مطالبات بتفعيل مؤسسات دستورية
وأمام كل ما سبق ذكره من أمور إيجابية تم تسجيلها في مجال حقوق الإنسان في المغرب خلال هذا العام، شهد 2022 مطالبة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بإخراج بعض المؤسسات الدستورية إلى الوجود، وتفعيلها، من بينها مجلس الأسرة والطفولة المنصوص عليه في الدستور المغربي، والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، وهيئة المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، بحسب ما أوضحه رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، الحسن الإدريسي، في تصريحات لـ"جسور بوست".
وتابع: أن المنظمة تطالب كذلك بسن قانون جديد للحريات العامة، يضمن التجمع، والتظاهرات، والاحتجاج السلمي، وغيرها من الأمور الأخرى، ومراجعة مجموعة القانون الجنائي، سواء في ما يتعلق بالقانون الجنائي، أو المسطرة الجنائية، وإخراج قانون الإضراب إلى الوجود، وسن قانون جديد للنقابات، وقانون للهجرة، وقانون للجوء.
الدعوة لإلغاء عقوبة الإعدام
وشهد عام 2022 استمرار المطالبة في المملكة المغربية بإلغاء عقوبة الإعدام، التي ما زال يحكم بها في محاكم البلاد، لكنها لا تنفذ منذ عقود، إذ قال الحسن الإدريسي، إن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تطالب بالتصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الرامي إلى إلغاء عقوبة الإعدام، موضحاً أن المملكة تقوم بمجهود جبار على مستوى إلغاء عقوبة الإعدام، إذ لم تُنفَّذ أية عقوبة إعدام منذ عام 1993، وأن القانون العسكري شهد تقليص الحالات، التي يصدر فيها حكم بالإعدام، من 16 حالة إلى 5 حالات فقط، ولكن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تطالب، بإلغاء عقوبة الإعدام كليّاً من القانونين الجنائي والعسكري.
لم تُنفَّذ أي عقوبة إعدام في المغرب منذ عام 1993، لكن لازال يحكم بالإعدام دون تنفيذه (أ ف ب)
بروتوكولات دولية
وإلى ما سبق، تطالب المنظمة المغربية لحقوق الإنسان أيضاً بالتصديق على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعلق بالتقاضي في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعلى البروتوكول الاختياري الثالث الملحق باتفاقية الطفل المتعلق بتقديم الشكايات، بحسب الحسن الإدريسي، الذي أبرز أن هذه البروتوكولات تتيح للمواطن عندما يستنفد كل المجالات القضائية، من محكمة ابتدائيةٍ، ومحكمة استئنافٍ، ومحكمة نقدٍ، الحق في اللجوء إلى جهات أخرى دولية.
رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، الحسن الإدريسي
وتطالب المنظمة الحقوقية أيضاً، وفق الإدريسي، بالتصديق على نظام روما المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، لما له من أهمية كبيرة في معاقبة المفسدين، والتصديق على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والتصديق على بعض الاتفاقيات الأوروبية، من بينها اتفاقية إسطنبول المتعلقة بالعنف والعنف المنزلي.
أحداث معبر الناظور- مليلية
وفي 24 يونيه شهد المغرب حادثاً مأساويّاً أثار نقاشاً كبيراً على المستوى الدولي، تمثل في محاولة مئات المهاجرين غير النظاميين، أغلبهم من السودان، عبور السياج في المعبر الحدودي بين إقليم الناظور ومدينة مليلية المغربية المحتلة من طرف إسبانيا، ما تسبب في وفاة 23 مهاجراً إفريقياً، وإصابة 217، من بينهم 140 من أفراد القوات العمومية.
وأوضح المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب (رسمي)، بعدما أوفد لجنة استطلاعية إلى المعبر، أن سقوط الضحايا يرجع إلى الاختناق الميكانيكي، والتدافع، والازدحام، والسقوط من أعلى سور السياج، وتكدس عدد كبير من المهاجرين في الباحة الضيقة للمعبر، الذي كانت أبوابه مغلقة بإحكام.
وقال الناشط الحقوقي، أبوبكر لاركَو، لـ"جسور بوست"، إن المسؤول عن هذا الحادث هم الناس، الذين هجموا على المعبر، خصوصاً أنهم كانوا كميليشيات مسلحة، ويحملون معهم أسلحةً، وأنه يجب الوقاية من مثل هذا الحادث مستقبلاً، من خلال الحذر، وتجهيز رجال الأمن بالوسائل الكفيلة لصد مثل هذه الهجمات.
وأبرز لاركَو أن المغرب يقوم بمجهود كبير في محاربة الهجرة غير الشرعية على طول حدوده البحرية في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، لكن رغم ذلك تحصد الهجرة غير الشرعية، بحسبه، ما بين 50 و100 ضحية سنويّاً، داعياً إلى إخراج قانون الهجرة، الذي يتم الحديث عنه في المغرب منذ 2014، وإخراج قانون اللجوء.
وبيَّن الحسن الإدريسي، لـ"جسور بوست"، أنه لا يمكن الحديث عن انتهاك ممنهج لحقوق الإنسان داخل التراب المغربي، وأنه إذا كانت هناك بعض الانتهاكات أو بعض الحالات، فهي حالات منعزلة، ولا يمكن أن نحمل الدولة والحكومة مسؤوليتها، وتبقى رهينة بالأشخاص فقط، وأنه عندما نتحدث مثلاً عن موت إنسان داخل مخفر شرطة، أو تعنيف بعض الأشخاص في مظاهرة معينة، أو حينما نتحدث عما وقع في الناظور، وغيرها من الحالات الأخرى، لا يمكن أن نتحدث عن هذه الحالات باعتبارها ممنهجة، وإنما هي حالات معزولة، وقد تقع في أي بلد.
حقوق الطفل والمرأة
وشهد عام 2022 في المغرب، بحسب الخبير الحقوقي خالد السموني، "تجاوزات في فض التجمعات والاحتجاجات السلمية"، والزيادة في الأسعار، وغلاء المعيشة، بينما "لم تتخذ الحكومة، بحسبه، تدابير لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، إلى جانب "فتور في سياسة النهوض بحقوق الطفل والمرأة، إذ لم تقم الحكومة خلال هذا العام، بإجراءات ملموسة، وفعلية، وعلى أرض الواقع، في ما يتعلق بحقوق الطفل والمرأة، وذلك بعدما ظل المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي يقوم بمجموعة من الإجراءات الخاصة بحقوق الطفل والمرأة، بحسب خالد الشرقاوي السموني، الذي سجل أيضاً خلال عام 2022 استمرار أشكال التمييز ضد المرأة، سواء في المجتمع، أو في الإدارة، أو في القطاع الخاص، وأن الحد الأدنى للأجور غير كافٍ لتمكين العاملين من الحفاظ على مستوى معيشة ملائم".
وقفة احتجاجية سابقة تنديداً بالعنف ضد النساء في المغرب (رويترز)
ظروف صعبة بالمناطق الجبلية
وسجَّل الخبير في مجال حقوق الإنسان، خالد السموني، أنه رغم المجهودات، التي بذلتها الحكومات المغربية المتعاقبة خلال العشر سنوات الأخيرة، من أجل النهوض بالحق في السكن، والتخلص من أحياء الصفيح، شهد عام 2022 "استمرار دور الصفيح في كثير من المدن الرئيسية في المغرب، حيث توجد، مساكن من الخشب، أو القصب".
وأوضح أن "الدولة حققت نسبة مهمة على مستوى التخلص من دور الصفيح، لكن تلك النسبة لم تبلغ بعد 100 في المئة، وأن أي مواطن يجب أن يحظى بسكن لائق".
وعرف عام 2022 أيضاً، بحسب "السموني"، استمرار "تأخر قطاع الصحة، وحرمان عدد كثير من المناطق من المستشفيات، وأن المناطق القروية ما زالت تعاني من التهميش، خصوصاً المناطق الجبلية، التي يعاني سكانها من الحرمان من التعليم، والصحة، والكهرباء، والماء الصالح للشرب، والحماية الاجتماعية، ويعيشون خلال فترة البرد ظروفاً قاسية جدّاً، وأن الحكومة يجب أن تولي، بحسبه، عناية خاصة لهذه المناطق، خاصة في ظروف البرد والشتاء، وما لها من انعكاسات سلبية عليهم".
صعوبات في الوصول للماء
وشهد عام 2022 في المغرب، وفق الناشط الحقوقي أبوبكر لاركَو، "اضطرار سكان القرى والبوادي وبعض المدن، خاصة مع الجفاف، الذي يعيشه المغرب هذا العام، إلى قطع 20 أو 30 كيلومتراً لجلب الماء"، منوها في نفس الوقت إلى أن الدولة بذلت مجهودات لا يمكن تبخيسها في مجال تحلية ماء البحر، في مدن العيون (جنوب)، وأغادير (جنوب)، والحسيمة (شمال)، والدار البيضاء (وسط)، ومعالجة المياه العادمة، وإعادة استعمالها في السقي.
يعاني سكان المناطق الجبلية في الأطلس الكبير بالمغرب من ظروف عيش قاسية خصوصاً خلال فصل الشتاء (رويترز).
ودعا إلى استعمالها أيضاً في غسل السيارات، وإلى القيام بحملات تحسيسية داخل المساجد والمؤسسات التعليمية، لوقف الإسراف في استغلال الماء، الذي يجب أن يكون مقنناً، سواء في المجال الفلاحي، أو غيرها.
استمرار الهدر المدرسي
وأوضح "لاركَو"، أن عام 2022 شهد "استمرار آفة الهدر المدرسي، التي تعتبر خطيرة جدّاً، وأنه رغم المجهودات التي قامت بها الدولة لمحاربتها، هناك تقريباً مليون ونصف طفل وطفلة خارج الأقسام الدراسية، وأن عدد الأطفال المغاربة، الذين ينقطعون سنويا عن الدراسة، يصل إلى 250 ألفاً فأكثر، وأن هذا العدد الهائل من الأطفال، سيكونون في الشارع، وسيتم استغلالهم في الاقتصاد، وفي الاتجار في البشر، والدعارة، والهجرة غير الشرعية، وسيبحثون عن عمل، وإذا لم يجدوا، سيعملون في القطاع غير المهيكل".
حرية التعبير
وفيما يتعلق بحرية التعبير، قال أبوبكر لاركَو، إن المغرب "يعرف إشكالية" على مستوى حرية التعبير، وأن هذه الإشكالية معضلة في العالم بأكمله، لأن كل واحد يجلس وراء هاتفه، أو وراء الحاسوب، في ظل وجود الشبكة العنكبوتية، والمواقع الاجتماعية، يقول ما يريد، متسائلا: "كيف نقنن هذه المسائل؟".
واعتبر لاركَو، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، أن القذف يعاقَب عليه في جميع الدول، لكن يجب أن يفتح الحقوقيون، والدولة، والمجتمع، في المغرب، نقاشاً لوضع إطار قانوني خاص بهذا المجال، حتى لا يتم الانزلاق نحو منع المواقع الاجتماعية، أو تكميم الأفواه.